لوزة شجيرة القطن. بعد نضج الليون وتفتحه.
******* القطن والقمح لدى المصريين فرسا رهان. كلاهما له الأولوية إن كان القمح خبزهم ومئونة بهائمهم، فإن القطن سداد دينهم . وتجهيز عرسانهم وعرائسهم . وتوفير شىء من الرفاهية لهم .ولكنى أزعم أن موسم جنى القطن عند المصريين .هو الأكثر( رومانسية). ويعود ذلك إلى كثرة المشاركين بالذات الصبية .فى إنجاز هذا الموسم. ******* والقمح فى حياة المصريين قديم .فهو قبل تواجد النبى يوسف على نبينا وعليه السلام بمصر بأزمنة الله العالم بها .كانت مصر سلة القمح لكل البلاد المجاورة . أما القطن فهوقريب عهد بمصر يقولون : أن (محمد على باشا )هوأول من توسع فى زراعته بمصر وأدرك أنه محصول إستراتيجى يسند بقوة إقتصاد البلاد.وأنشأ المصانع لحلج القطن وغزله .وصباغته .بل ومصنع لصناعة الجوخ لملابس الجيش . ******* والمصريون كعادتهم ، وإلى يومنا هذا يحسبون حسابات زروعهم حسب الشهور المصرية القديمة . وهاهى وما يقابلها من شهور التقويم الميلادى :-
1-توت ويبدأ من الحادى عشر من سبتمبر حتى العاشر من أكتوبر 2-بابه ويبدأ من الحادى عشر من أكتوبر إلى التاسع من نوفمبر 3-هاتور ويبدأ من العاشر من نوفمبر حتى التاسع من ديسمبر . 4-كيهك ويبدا من العاشر من ديسمبر حتى الثامن من يناير . 5-طوبة ويبدا من التاسع من يناير حتى السابع من فبراير . 6-أمشير ويبدأ من الثامن من فبراير حتى التاسع من مارس . 7-برمهات ويبدأ من العاشر من مارس حتى الثامن من أبريل . 8-برموده ويبدأمن التاسع من أبريل حتى الثامن من مايو . 9-بشنس ويبدا من التاسع من مايو حتى السابع من يونيو. 10-بؤونة ويبدأ من الثامن من يونيو حتى السابع من يوليو . 11-أبيب ويبدأ من الثامن من يوليو حتى السادس من أغسطس . 12-مسرى ويبدأ من السابع من أغسطس حتى السادس من نوفمبر . 13-نسىء و يبدا من السابع من نوفمبر حتى التاسع من أكتوبر
******* زراعة القطن . تبدأ زراعة القطن فى مصر فى فبراير. يجهز الزراع الأرض . يقلبونها جيدًا بالمحراث ، وهو آلة تراثية تتكون من حوالى تسع شفرات تنتظم كل ثلاث منها فى محور . وقطر كل شفرة منها حوالى نصف المتر. وسمكها حوالي الثلاثة ملليمترات.تجره المواشى. ثم يقسمون الحقل إلى خطوط متوازية ومتساوية تماما (سرايب أو سرابات ) . وعلى جانبي السرابة يضعون عددا من البذور . بعد ذلك يروون باطن السرابات بالماء . وعندما يصير طول النبات حوالى العشرين سنتيمتر . يختار الزراع النباتات الأقوى .ويخلع الضعيف منها . ويتم رى الأرض حسب حاجتها .
******* مقاومة آفات القطن ومقاومة دودة القطن ، وآفات القطن حديث ذو شجون . إذ كانت الآفات (دودة القطن )تسطو على بعض الحقول . فتصبح شجيرات القطن ممروضة وقطنها ردىء . لذا كانت الجمعيات الزراعية تجند الصبية الصغار فى سن الإبتدائى للمقاومة اليدوية لدودة القطن . يتم تنظيم الصبية فى مجموعات ولكل مجموعة منهم رئيس (خولى ) وعادةً يكون فى سن الإعدادى أو الثانوى . والطريف أن لكل مجموعة راية مختلفة لها عصا طويلة .يحملها رئيس المجموعة. ******* كان الصبية يعملون من الصباح حتى الغروب . يفحصون بدقة كل شجيرة وعندما يجد أحدهم ورقة مصابة أو بها حشرة أوبها لطعة (بيض لم يفقس بعد ) يجمعها حتى يحصيها رئيس المجموعة ويحسب له مكافأة عليها ثم يحرقها. كان الأجر اليومى حوالى ستة قروش . والمكافأة ربما قرشان لكل حشرة ، أما الرئيس فكان أجره أكثر . ربما عشرة كاملة من القروش . ******* وكانت الجمعيات الزراعية تدبر هذه الخدمات، وتتقاضى التكلفة وأكثر منها ، عندما يقوم الزراع بتوريد المحصول لهم .
ويبدو أن عملية مقاومة آفات القطن اليدوية . لم تعجب بعضهم وهنا جاء الحل الأشد رعونة على مدى التاريخ .وهو الرش للمبيدات بالطائرات المروحية. كانت ترش على مستويات ليست مرتفعة ، وكان صوتها يدمر الأعصاب وخاصة الصغار.والأخطر وصول المبيدات للترع وزراعات يأكلها الناس . وعليه نفقت حيوانات ، وتضرر البشر ، وربما مات البعض . فى حين أن صاحب الفكرة ، ربما ينام قرير العين فى حجرته . التى لا ينقصها من الكماليات شىء. ******* ما يصلح فى روسيا مثلاً ، حيث الزراعات الموحدة ، والمساحات الهائلة ،لا يصلح للمصريين .مهما حاولت الحكومات توحيد زراعات منطقة ما .لا يصلح ذلك في مصر .كثير من الزراع يقيم بين الحقول .ولا تسألنى عن عشوائية الحياة . منذ فجر التاريخ وكثير من المصريين يقيم فى الحقول وحياتهم جيدة. . ******* بل وعند المصريين عادات . منها أن المصرى يحاول دوما الإستغناء بأرضه ، وتوفير كل إحتياجاته منها. يعنى لا مانع من زراعة ما يحتاجه من الملوخية والثوم البصل والبامية . وغيرها على أطراف حقله .أما الطماطم فهى تنمو وحدها خاصةً بين شجيرات القطن .كل ذلك وغيره يجعل إختيار رش المبيد بالطائرة فى مصر جريمة . ******* عامةً لأن مسألة القطن مختلفة عن القمح الذى يطحنه المصريون ويخبزونه بدون تدخل أى جهة .إلا أن القطن يذهب للتصنيع أو التصدير فلابد من التعامل مع الجمعيات الزراعية.وربما يتذكر بعضكم .أغاني الإذاعة المصرية :- (ساهم ياجميل فى الجمعية ****اللى قامتها الثورة عشانك. هتمدك بتقاوى نقية **** وبسلفة تخفف أحزانك ) ولكن هذا لم يحدث وضاعت البذور الاصلية .وانحدر مستوى القطن الذى كان يوماً ما طويل التيلة .ولا أدرى لصالح منْ .ولقد قرأت على (ويكيبيديا )كلاماً محزنا ومؤسفاً :(القطن المصري قطن ذو جودة عالية وشهرة تاريخية على مستوى العالم. تدنى إنتاجه في نهاية القرن العشرين لعدة أسباب أهمها الفساد الإداري والمالي.)
******* ويكبر النبات . وتبدا (زهوره) الصفراء فى الظهور .والتى تتحول مع الوقت إلى (الليمون ).وما يلبث الليمون الأخضر المملوء بالقطن المبتل .أن يجف قليلاً قليلاً حتى يصل إلى الجفاف الكامل وتسمى (لوزة ) وهنا تمتلأ الحقول بلوز القطن الشديد البياض البالغ الروعة والجمال والطريف أن ليمونة القطن حين تجف تماما ويملأها القطن االمكتمل النضج وتجف تماما يسمونها (مقلة ) وجمعها (مقل) والمقلة هى العين.وهذه صورهم .
لوزة القطن داخل المقلة . فى سبتمبر يبدا ماراثون جمع القطن . وكثيراً ما كانوا يأجلون المدارس لذلك. يكترى صاحب الحقل منْ يقوم بالجنى. وهم مجموعات منظمة أو افراد يبدأون العمل مبكرين . ويأخذ معه ميزان .وأكياس كبيره من الخيش (أجولة ) .ويجمعون القطن من الشجيرات واحدة واحدة .
وأثناء ذلك ىرددون اغانيهم التراثية .والتى من خلالها يعبرون عن غضبهم من المحتل ، وتهكمهم عليه . إنهم لا ينسون هذا الثأر.وكل أجنبى بالنسبة للمصريين هو الخواجة .فهم يرددون : اللوزة والليمونة *** مرات الخواجة المجنونة اللوزة والسرابة *** مرات الخواجة اللبابة ******* وعند انتهاء النهار . قبل الغروب ،يغنى الصبية فرحين بنهاية النهار:- (هنا سرابة المرواح **** كملها ياجميل وارتاح ) وهنا يزن صاحب الحقل حصيلة كل فرد على حدة ، ويوفيه أجره حسب المتعارف عليه لهذا العام .وينقل المحصول إلى البيت.وفى نهاية الموسم يبدأ فى كبس القطن . ******* كبس القطن . وهنا يحضرون أكياساً ضخمة من الخيش (قناطير ) . مقاس الواحد منها ثلاثة أمتارطول وعرضها حوالي المتر وربع المتر .ويعلقون حبالا قوية بالسقف . ويبدأون فى تعليق القنطار، والبدء فى ملئه بالقطن وكبسه جيدا حتى لا يترك أى فراغ . وحينما يمتلأ .يقومون بخياطته . ثم يضعونه جانباً .وهكذا حتى نهاية المحصول . وكم كان الصغار يستغلون هذه الحبال كمراجيح طيلة الموسم. عندئذ ينقلون هذه القناطير إلى الجمعية الزراعية . وهنا يصنفون جودة القطن . ويقومون بوزن الكمية .ويخصمون المديونات المستحقة من صاحب الأرض .ويأخذ ما بقى له من الثمن.
******* ويأخذ القطن المصرى ،والذى كان طويل التيلة ، طريقه إلى محالج القطن ومصانع الغزل، والتى كانت زاخرة ،و تؤخذ بذوره لمصانع انتاج زيت بذرة القطن ، وبقاياها لإنتاج علف الحيوانات . أو للتصدير. شجيرات القطن بعد جنى القطن . ربما يتسائل بعضكم عن مصير الشجيرات . بعد جنى القطن منها . إن الزراع لا يتركونها . إنما ينتظرون حتى تتفتح آخر ليمونة فيها .ثم يعيدون الجنى. وعادةً يجمعون هذا القطن ويبدأون في فصل بذوره يدويا .يسهرون ويتسامرون .وهذه الحصيلة عادةً يستعملونها في (تنجيد فراشهم من المراتب ،والألحفة والمخدات) لقد كان ذلك صحيا ورائعا.ومنسجماً مع البيئة .ولقد استبدلناه الآن بالألياف الصناعية بكل أنواعها تباً وتباً.
******* والآن يحصد الزراع الشجيرات .ويحزمونها فى حزم مناسبة . ينقلونها لبيوتهم .وبعد جفافها تماما .يستخدمونها وقودا لأفرانهم البلدية . إنها قصة القطن المصرى .طويل التيلة . الذهب الأبيض الذى ذهب . عله يعود وعلنا نعود. *******
ودمتم أحبتى بكل الخير.
|
اترك تعليقا